منتصر عمران يكتب :الخطاب الديني بين التجدبد والتجميد


وعليه أقول إن دعوة تجديد الخطاب الديني ليست بدعا من القول قولا واحد.. ولكن أخشى أن تتحول هذه المقولة في وقتنا الحالي إلى الحق الذي أُريد به الباطل.. وخاصة إذا جاء من قوم ليسوا من أهل العلم الشرعي.
بالفعل هناك أمور كثيرة جدا تحتاج إلى إعادة نظر في أحكامها بالعودة إلى أصلها قد جنح بها المسلمون عن الأصل الذي من أجله أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم أو خلفاؤه الراشدون.. وغالبا هذه الأمور من الفروع وليست من أصول الدين الذى أجمع عليها علماء المسلمين في الحديث والقديم.
هنا أود أن أذكر أمرًا واحدًا يوضح ما أقصده وأريد الحديث فيه وهو أمر بسيط في ظاهره للغاية وهو مشروعية الأذانين في صلاة الجمعة.. أكيد الجميع يعلم أن الأمر كان على عهد النبي ﷺ أذان واحد مع الإقامة فكان إذا دخل النبي ﷺ للخطبة والصلاة أذن المؤذن ثم خطب النبي ﷺ الخطبتين.. ثم يقام للصلاة هذا هو الأمر المعلوم.. وهو الذي جاءت به السنة وهو أمر معروف عند أهل العلم والإيمان.
ثم إن الناس كثروا في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، في المدينة فرأى أن يزاد الأذان الثاني ويقال له: الأذان الأول لأجل تنبيه الناس على أن اليوم يوم الجمعة حتى يستعدوا، ويبادروا إلى الصلاة قبل الأذان المعتاد المعروف بعد الزوال وكان هذا الأذان ينادى به في مكان عمل الناس والأسواق وقبل الصلاة على ما أتوقع بساعة ونصف وتابعه في هذا الصحابة في عهده.. كان في عهده عليٌّ وعبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة، والزبير بن العوام أحد العشرة أيضًا، وطلحة بن عبيد الله .. وغيرهم من أعيان الصحابة وكبارهم وهكذا سار المسلمون على هذا في غالب الأمصار والبلدان تبعًا لما فعله الخليفة الراشد عثمان وتابعه عليه الخليفة الراشد أيضًا عليٌّ رضي الله عنه وأرضاه وهكذا بقية الصحابة..
مما ذكرت آنفا يتبين الحكمة من مشروعية الأذان الثاني وهو تنبيه الناس الى قرب صلاة الجمعة التي تعتبر بالنسبة للمسلمين عيد الأسبوع.. فتنبه الناس أن يتركوا التجارة وأمور الدنيا لأمر جليل وعظيم وهو صلاة الجمعة الذي قال عنه رسولنا صلى عليه وسلم خير يوم طلعت عليه الشمس.
نأتي إلى حال الأذان الثاني في هذه الأيام فهو يأتي بعد الأذان الأصلي للوقت وبعد صعود الإمام على المنبر مباشرة وفي الغالب يكون بين الأذانين وقت لا يتعدى خمس دقائق يستغلها البعض في أداء ركعتين..
هنا يتبين أن الحكمة من الأذان الثاني التي من أجلها شرع سيدنا عثمان الأذان الثاني قد انتفت تماما ولو سيدنا عثمان يعيش بيننا الآن لعاد إلى العهد الأول، وهو الأذان الواحد كما كان حال المسلمين منذ بداية الإسلام .
هكذا يتم النظر في تجديد الخطاب الديني من قبل أهل العلم الشرعي في كثير من المسائل التي انحرفت عن مقصدها الأساسي وليس كمطالبة الذين لا يركعون لله ركعة ويظنون في أنفسهم أنهم أوصياء على الناس بزعم أنهم مثقفون أو علماء طبيعة أو سياسة أو اقتصاد فهل يعقل يا سادة أن يكون أمثال محمد أبو حامد من يقودون الدعوة لتجديد الخطاب الديني بل يهاجم الأزهر الشريف وشيخه الموقر فضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب ويريد أن يخلع عن الأزهر الشريف دوره الرئيسي وهو أنه المسئول الشرعي في تحديد المشروع وغير المشروع في الأحوال الشخصية للمسلمين.
أرجو أن يتولى دعوة تجديد الخطاب الديني أهلها من علماء الأزهر ومن أهل الثقة من علماء الشرع الآخرين.. وليمتنع المتطاولون عن المشاركة في هذه الدعوة التي هي من أجل الدين، وليس كما يريد هؤلاء إقصاء الدين عن مناحي حياتنا...
نأتي الى دعوة الرئيس السيسي لتجديد الخطاب الديني من باب المسئولية حيث يمثل في الإسلام ولي الأمر المسئول عن شعبه دينيا ودنيويا.. فالرئيس الذي يصبوا اليه من دعوته تلك الى تفويت الفرصة عن أدعياء العلم وأشباه العلماء ليخطفوا عقول الشباب ويزينوا لهم استباحة القتل والنهب والاعتداء على الأموال والأعراض، ويدلسوا عليهم أحكام الشريعة السمحة وينقلوا لهم الفهم الخاطئ المنحرف في تفسير القرآن الكريم والتشويه المتعمد للسنة المطهرة وهذا ما تفعله الجماعات الإرهابية في حروبهم مع شعوب المسلمين
وطالب الرئيس السيسي المؤسسات الدينية منذ عدة سنوات وفي مقدمتها مؤسسة الأزهر بأن تولي الأهمية القصوى لموضوع تجديد الخطاب الديني
والحقيقة ان الرئيس السيسي يولي قضية «تجديد الخطاب» أهمية كبرى حيث وصف أن مسألة تجديد الخطاب الديني «قضية حياة أو موت لهذا الشعب المصري و الأمة الإسلامية
كما دعا الرئيس السيسي الى ضرورة بدء تنفيذ إجراءات ملموسة في إطار المساعي لـإصلاح الخطاب الديني وذلك في مواجهة ما وصفه بـالآراء الجامحة والرؤى المتطرفة
كما أكد الرئيس السيسي أن التجديد الذي يتطلع إليه ليس هو التجديد في ثوابت الدين ولا في العقيدة أو غيرها من الأحكام التي اتفق أئمة الدين على إثباته بخلاف تماما يريده البعض من أذناب الاستعمار وعلماني الأمة من اضاعة الدين برمته أو على الأقل إقصائه من نواحي الحياة إنما التجديد الذي ينتظره الرئيس هو التجديد في فقه المعاملات في مجالات الحياة العملية
وهنا اختم كلامي عن التجديد بما قاله شيخ الأزهر في إحدى المؤتمرات.. إن العلاقة بين التجديد وبقاء الإسلام ديناً حياً يقدم الخير للبشرية جمعاء هي علاقة التطابق طرداً وعكساً وهما أشبه بعلاقة الوجهين في العملة الواحدة.. والتيار الإصلاحي الوسطي هو الجدير وحده بمهمة التجديد الذي تتطلع إليه الأمة... و هو التجديد الذي لا يشوه الدين ولا يلغيه إنما يأخذ من كنوزه ويستضيء بهديه ويترك ما لا يناسب من أحكامه الفقهية.